![]() |
رسم يصوّر إحدى المعارك خلال الثورة المجرية
شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر تقلبات سياسية بارزة في أوروبا. في فرنسا، أدت ثورة عام 1848 إلى تنازل الملك لويس فيليب الأول عن العرش وإعلان الجمهورية الثانية، التي انتخب نابليون الثالث رئيساً لها. بعد سنوات قليلة، أعلن نابليون الثالث نفسه إمبراطوراً لفرنسا. جنوباً، تصاعدت المطالب بالوحدة الإيطالية بالتزامن مع صعود مملكة سردينيا. في الوقت ذاته، برزت بروسيا كقوة إقليمية وتولت مهمة توحيد الدويلات الألمانية. وفي خضم هذه الأحداث، مثلت إمبراطورية النمسا واحدة من أضعف الحلقات بأوروبا حيث واجهت أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية هددت بتفككها.
الوضع العام بإمبراطورية النمسا
خلال العام 1804، أعلن الإمبراطور فرانسيس الأول (Francis I)، المنحدر من عائلة هابسبورغ، قيام إمبراطورية النمسا. ومنذ البداية، واجهت إمبراطورية النمسا العديد من الأزمات حيث اضطرت، برفقة حلفائها الأوروبيين، لمواجهة أطماع نابليون بونابرت وخوض غمار حروب مدمرة ضد الفرنسيين. وبالسنوات التي تلت مؤتمر فيينا عام 1815، واجهت إمبراطورية النمسا مصاعب اقتصادية واجتماعية وسياسية.
إلى ذلك، تعد إمبراطورية النمسا خليطاً من العرقيات حيث تتكون من النمساويين والمجريين والتشيكيين والسلوفاكيين والبولنديين والكرواتيين والصرب والبوسنيين والرومانيين. وإضافة للاختلاف الثقافي بينها، لا تتكلم، في الغالب، هذه العرقيات المقيمة بالإمبراطورية النمساوية نفس اللغة. من ناحية أخرى، شهدت الإمبراطورية النمساوية انتشار سياسة التمييز حيث لم يسمح سوى للنمساويين بالحصول على الوظائف الإدارية والمناصب الحساسة والتعليم الجيد. وفي المقابل، أثقلت السلطات النمساوية كاهل بقية العرقيات بالضرائب كما عانت المناطق التي قطنوا بها من الإهمال ونقص بالمرافق الأساسية.
أثارت هذه العوامل توتراً في إمبراطورية النمسا. في عام 1848، شهدت البلاد امتداد ثورات "ربيع الشعوب". في تلك الفترة، استعانت النمسا بروسيا لقمع هذه الثورات، خاصة في المجر، بالحديد والدم، مما أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى.
تراجع نفوذ النمسا
وخلال السنوات التالية، عاشت إمبراطورية النمسا على وقع مزيد من الأزمات. فعام 1859، هُزمت عسكرياً على يد فرنسا ومملكة سردينيا وقبلت بسحب قواتها من الشمال الإيطالي. وعام 1866، تلقت فيينا هزيمة عسكرية أكثر قسوة بمعركة سادوا (Sadowa) ضد البروسيين التي خسرت خلالها ما يزيد عن 40 ألف عسكري.
وعقب هذه المعركة، أصبحت العاصمة فيينا بمرمى نيران الجيش البروسي الذي كان قادراً حينها على التقدم واحتلال فيينا لولا تدخل المستشار البروسي بسمارك الذي فضّل حينها الانسحاب وكسب ود النمسا مستقبلاً بدل إذلالها. وعقب هذه الحرب ضد البروسيين، خسرت إمبراطورية النمسا هيبتها وفقدت هيمنتها على الدويلات الألمانية ومسألة الوحدة الألمانية.
اتفاق لتجنب حرب أهلية
أمام هذا الوضع الجديد للنمسا على الساحة الأوروبية، تحرك المجريون مطالبين بمزيد من الاستقلالية. وارتفعت في بودابست أصوات طالبت بالاستقلال عن النمسا وإنشاء دولة مستقلة. خوفاً من اندلاع حرب أهلية، وافق الإمبراطور النمساوي فرانز جوزيف الأول على اعتماد "الاتفاق النمساوي المجري". بموجب هذا الاتفاق، الموقّع في 18 فبراير (شباط) 1867، تغير اسم الدولة ليصبح الإمبراطورية النمساوية المجرية، ليحتفظ فرانز جوزيف بلقب إمبراطور النمسا ويحصل في الوقت ذاته على لقب ملك المجر.
من ناحية أخرى، حظيت المجر بحكومة وبرلمان مستقلين عن النمسا، كما سُمح لها باعتماد قوانينها الخاصة. بعد هذا الاتفاق، ظلت مسألتا الدفاع والشؤون الخارجية مشتركتين بين النمساويين والمجريين. وقد ساهم هذا الاتفاق في منع اندلاع حرب أهلية في الإمبراطورية النمساوية، التي صمدت لنحو 4 عقود أخرى قبل أن تنهار وتتفكك عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.