«الهريسة» في نابل التونسية.. حرفة الأجداد تتواصل مع الأحفاد
يقدس أهالي نابل الساحلية بتونس طبق "الهريسة" ولذلك أسسوا مهرجانا خاصا للتذوق وللاحتفاء بهذه العادة. وانطلق المهرجان الذي تم تنظيمه في "دار نابل" وسط مدينة نابل يوم السبت، ليمتد لمدة 3 أيام.
كما تم تنظيم عروض للطهاة وفرق موسيقية جابت المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 36.878 نسمةً وتبعد على تونس العاصمة نحو 60 كيلومترا. ويشتهر سكان محافظة نابل بجميع مدنها وقراها بإعداد الهريسة واستعمال الفلفل الأحمر المجفف في جميع أغذيتهم ومأكولاتهم، ويتم تخزينها في علب لمدة سنة.
و"الهرية" أكلة تونسية يتم إعدادها من خلال تجفيف الفلفل الأحمر الحار في فصل الصيف وخاصة خلال شهري يوليو، وأغسطس، ويضاف إليه الثوم وبعض التوابل، ويتم هرسها عن طريق "المهراس النحاسي" (رحي جميع المكونات في آلة يدوية مخصصة لذلك) ومع التطور التكنولوجي أصبحت طريقة رحيها أسهل عن طريق آلة كهربائية مخصصة لذلك.
ولعل تخصيص مهرجان للهريسة في نابل ساهم في التعريف بها والكشف عن أسرارها التي ترتبط بجذور المطبخ التونسي تراثيا وحضاريا.
إعداد أطباق الهريسة بمختلف أنواعها في نابل كان حرفة للأجداد منذ مئات السينين حيث امتهنوا زراعة الفلفل في حقولهم وربطها في قلائد وتجفيفها في المنازل ثم بيعها لتدر عليهم الأموال علها تعيلهم خلال السنة. وتواصلت هذه الحرفة إلى اليوم حيث توسعت وأصبحت تصدر للخارج وخاصة للسوق الأوروبية.
ويدمن التونسيون، خاصة أهالي محافظة نابل، استهلاك كل أنواع "الهريسة" سواء تلك المصنوعة بطريقة تقليدية أو المعلّبة التي تنتجها المصانع. وتنقسم أنواع الهريسة "النابلية" إلى هريسة عربي وهريسة مفورة وهريسة "دياري" و"هروس".
يكثف التونسيون استعمال الهريسة في فصل الشتاء مع اشتداد برودة الطقس باعتبارها ذات خصائص علاجية، فهي تخفف من الالتهابات في الجسم، كما تعد أكبر مقاوم للزكام، كما تساعد على حرق الدهون وتعزّز الدورة الدموية وتخفّض مستوى السكر في الدم. وتستعمل الهريسة في غالب الأحيان كمكون يدخل في الأكلات، مثل البرغل والكسكسي والكفتاجي، كما يتم اعتماده في الساندويشات، وهو يعتبر الصلصة الوطنية لتونس.
وأكد زهير بالأمين رئيس جمعية صيانة مدينة نابل٫ التي تشرف على تنظيم المهرجان، أن هذه التظاهرة تمثل فرصة هامة للزوار للتعرف على خصوصيات الهريسة. وأوضح في تصريحات لـ"العين الاخبارية " أن المهرجان يهدف إلى التعريف بالموروث الغذائي لسكان المدينة ومنتوجاتها الفلاحية، وخاصة الفلفل بأنواعه.
وأشار إلى أن إدراج الهريسة ضمن التراث غير المادي التقليدي التونسي، كان خطوة هامة في إطار التعريف بالمطبخ التونسي الذي ينافس بعض المطابخ المماثلة في بلدان المغرب العربي وبلدان البحر المتوسط. وأكد أن زراعة الفلفل جلبها المورسكيون المسلمون من الأندلس إلى المناطق الساحلية وانتشرت بشكل كثيف في محافظة نابل بجميع قراها وأريافها.
والعام الماضي، أدرجت منظمة اليونسكو الهريسة التونسية في قائمة التراث العالمي غير المادي لتفتح بذلك أبواب طموح أوسع أمام الحرفيات والحرفيين لتطوير صناعة الهريسة التقليدية والترويج لها محليا وعالميا.
وقالت يونسكو إن "الهريسة تعتبر عنصر هويّة لتراث الطهي الوطني، وعاملًا من عوامل التماسك الاجتماعي"، وتعتبر "عنصراً موحداً لبلد بأكمله". ويتجاوز إنتاج تونس للفلفل سنويًا 500 ألف طن، منها ما يزيد عن 300 ألف طن يتم عجنها في المصانع لإعداد مختلف أنواع الهريسة.