تسارع أنقرة الخطى في الأيام الأخيرة من
أجل إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا دعما لحكومة فايز السراج، في مواجهة قوات
الجيش الليبي برئاسة المشير خليفة حفتر. وكان آخر ما كُشف من التفاصيل الخفية لاتفاقية رئيس المجلس الرئاسي فايز
السراج مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ضخّ المصرف المركزي الليبي أربعة
مليارات دولار بشكل وديعة بعائد صفري من الفوائد في المصرف المركزي
التركي، ما عُدّ دعماً لاقتصاد أنقرة الذي يعاني الأمرين منذ سنتين وحتى
اليوم، إذ خسرت الليرة التركية أكثر من 25 في المئة من قيمتها مقابل
الدولار الأميركي، بينما لم توقف تعهدات قطر بضخ 15 مليار دولار في الخزينة
التركية نزف العملة التركية.
«مشادات البرلمان التركي»
وشهدت جلسة البرلمان التركي للتصويت على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، مشادة كلامية بين نائب ورئيس المجلس.
ونقلت صحيفة برجون التركية عن النائب
أوزجور أوزل، رئيس حزب الشعب الجمهوري، قوله: إن اجتماع المجلس الطارئ أو
الاستثنائي لم يكن على النحو الواجب أو القانوني وانتهاكًا لمبادئ الدستور.
ورد عليه مصطفى شانتوب، رئيس البرلمان التركي، قائلاً: "أنا لم أدعو المجلس للاجتماع بل دعوت الجمعية العمومية".
وطلب أوزجور، بحسب الصحيفة، الكلمة مرة
أخرى ليرد على رئيس المجلس، قائلا: "من أين تستمد شرعيتك في الجلوس هناك؟
لقد انتخبتك الجمعية العمومية، فكيف يتم تعليق قرار للجمعية العمومية من
قبل شخص تم انتخابه عن طريق الجمعية العمومية؟ فكان عليك أن تتحدث مع
الأحزاب السياسية واحدا تلو الآخر".
كان موقع "تى 24" التركي كشف أن أحزاب
المعارضة التركية أعلنت رفضها إرسال مرتزقة وقوات تركيا إلى الأراضي
الليبية خلال جلسة البرلمان التركي الطارئة المنعقدة حاليًا.
وبحسب الموقع فإن الذين أعلنوا تصويتهم
بـ"لا" هم: حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي، والحزب
الديمقراطي، وحزب المناطق الديمقراطي، وحزب العمال التركي، والحزب الصالح،
وحزب الخير.. أما الذين وافقوا فهم حزب العدالة والتنمية، وحزب السعادة،
وحزب الحركة القومي.
ويأتي الدعم العسكري العثماني لحكومة
السراج بعد توقيع اتفاق مثير للجدل بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية يقضي
بزيادة التعاون الأمني بين الطرفين وبترسيم الحدود البحرية بينهما، وهو
الاتفاق الذي اعتبر "غير قانوني".
وحسب «فرنس 24» فإن بوصلة «السلطان
العثماني» أو«هتلر العصر» رجب طيب أردوغان، قد اتجهت إلى ليبيا بعد أن
كانت مسلطة شرقا نحو سوريا لعدة أسباب كشفها الباحث بشير عبد الفتاح الخبير
في الشؤون التركية والإيرانية بقوله إن تركيا لها أربعة أهداف تطمح إلى
تحقيقها في ليبيا.
أولا: الطاقة
فتركيا تستهلك كميات هائلة من الطاقة سنويا، وليس لديها موارد كافية، وتستورد ما قيمته 50 مليار دولار في العام الواحد. ورغم عمليات التنقيب التي تقوم بها أنقرة، إلا أن المناطق البحرية التابعة لها لا يوجد بها آبار غاز أو نفط. وهو ما دفعها في وقت سابق من هذا العام خلال شهر يوليو الماضي إلى إرسال سفن للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص، وهو ما اعتبرته نيقوسيا استفزازا وتحركا غير قانوني. فالتقرب التركي نحو ليبيا هو رغبة منها في توفير موارد طاقة جديدة لأنقرة، ولذلك أبرمت أنقرة في 27 نوفمبر الماضي اتفاقا بحريا مثيرا للجدل مع حكومة الوفاق الوطني الليبية تسيطر بموجبه تركيا على مناطق لا تخضع لها بموجب القانون الدولي. وهو ما أثار غضب اليونان وقبرص.
ثانيا: منطقة شرق المتوسط
تعد منطقة شرق المتوسط مطمعا كبيرا لدول
المنطقة برمتها لما تحتويه من مخزون هائل من الغاز الطبيعي يقدر بأكثر من
100 تريليون متر مكعب. أنقرة تريد إذا أن يكون لها نصيب وفير من تلك
الثروات.
وجاءت اتفاقية "شرق المتوسط" المعروفة
باسم "إيستميد" بين اليونان وقبرص وإسرائيل والمزمع التوقيع عليها الخميس 2
يناير والتي تهدف إلى تأمين إمدادات الطاقة في أوروبا عبر خط يبلغ طوله
2000 كيلومتر، لتعرقل محاولات تركيا توسيع سيطرتها على شرق البحر المتوسط.
التحالف التركي الليبي يأتي ردا على تلك الاتفاقية.
الهدف الثالث لأنقرة هو أن تكون قريبة من مصر
ترغب أنقرة أيضا من خلال انخراطها سياسيا وعسكريا في ليبيا في أن تكون قريبة من مصر عن طريق التواجد على حدودها الغربية.
الهدف الرابع: أحلام العثمانية الجديدة
الدور التركي في ليبيا يأتي كذلك في إطار
مساعي الرئيس رجب طيب أردوغان في إحياء العثمانية الجديدة وبسط نفوذ واسع
لأبناء أتاتورك على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
«تسريع التصويت على الحرب»
التصويت في البرلمان التركي حول إرسال
قوات عسكرية إلى تركيا كان مقررا في 8 يناير/ قبل أن يتم تقديم الموعد
ليكون في 2 يناير. الإسراع في التصويت على الحرب جاء بعد التقدم الكبير
الذي تحرزه قوات المشير خليفة حفتر في طرابلس، وهو ما دفع أردوغان إلى
تقديم التصويت في محاولة لتدارك الموقف على أرض المعركة.
«صلاحيات غير مسبوقة .. تفاصيل مذكرة أردوغان لغزو ليبيا»
استمرارا للتدخل السلبي في الشأن الداخلي
الليبي ودعما للميليشيات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق، منح الرئيس رجب
طيب أردوغان، في مذكرته التي رفعها أمام البرلمان التركي، بشأن غزو ليبيا
للتصويت عليها، القوات التركية، صلاحيات غير مسبوقة في تاريخ أنقرة.
ووفقا لموقع "ينى جازيت" التركي، أضاف
أردوغان، في المذكرة عبارة تتعلق بتعريف وظيفة القوات العسكرية التركية،
والتي لخصها بعبارة كارثية تقول "لهم الحق في اتخاذ كل التدابير اللازمة
والاحتياطات ضد كل أنواع التهديد لأمن ومصالح تركية".
وأضاف الموقع، أن المذكرة تنص على طلب
أردوغان إرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا مما يتطلب الدعم، كما تشتمل
المذكرة على تفاصيل خطيرة حيث إن صلاحيات القوات التركية هى الأوسع والأكبر
في تاريخ المذكرات التركية الخاصة بإرسال قوات عسكرية إلى الخارج مثلها
مثل مذكرة سوريا والعراق.
وبالنظر إلى مذكرات طلب إرسال قوات عسكرية
تركية إلى البلدان غير المجاورة كلبنان والصومال، تجد أن صلاحيات القوات
هناك محدودة جدا بالنسبة لهذه المذكرة، وفقا للموقع.
«رد الجيش الليبي»
من جهته قال مدير إدارة التوجيه المعنوي
التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي خالد المحجوب، إن جيش بلاده يتواجد في
الميدان ولن يسمح بوجود أية قوات تركية معادية على أراضيه، وأنه جاهز
لقتالهم.
وأضاف المحجوب، في تصريح لقناة العربية
الإخبارية: "أن هناك إجراءات عسكرية احترازية استعدادًا لمواجهة عسكرية
محتملة مع القوات التركية، في حال مصادقة البرلمان التركي وتنفيذ أنقرة
لقرارها بإرسال جنودها ودعمها العسكري لقوات الوفاق".
من جهته، أكد مسؤول عسكري في القيادة
العامة للجيش الليبي، أن الجيش سيعتبر القوات التي تعتزم تركيا إرسالها إلى
ليبيا لدعم قوات حكومة الوفاق، مليشيات مسلّحة وسيقاتلها للدفاع عن سيادة
البلاد.
«بشهادة الأتراك.. حرب أردوغان لدعم الإخوان»
وشن لونال جوبكوز، نائب رئيس حزب الشعب
الجمهوري المعارض، هجوما حادا على رجب طيب أردوغان، بسبب سياساته الهمجية
التي ينتهجها في ليبيا.
وقال جوبكوز: "دولة مثل تركيا لها تاريخ
مهم وعريق مع ليبيا، وحتى توقف سكب دماء المسلمين فإن التصرف الأول الذى
لابد أن تنتهجه كما نرى هو إعطاء أولوية للدبلوماسية، لكن هذا لايحدث ويحدث
بدلا منه للأسف الاستعداد لطريق قد يؤدى إلى سكب دماء المسلمين بشكل
خطير".
وأكد نائب رئيس حزب الشعب الجمهورى، أن كل
هذا يدل على أن تركيا تطبق سياسة خارجية خاطئة، مضيفا أنه في الفترة
الأخيرة أعربنا عدة مرات عن أنه بدلا من إعطاء أولوية لمؤسسات الدولة
السياسة الخارجية أو اتخاذ الاستعدادات بناء على آرائهم يفضلون أراء أخرى،
ونتيجة لسياسات خارجية تعتمد على الروابط العائلية أصبحنا في هذا الوضع
الذي وصلنا إليه".
وتابع: "الأمر المتفق عليه أن النظام
يواصل جهوده في ليبيا من أجل الإخوان، ولا نجد هذا صحيحا ولأننا لا نجده
صحيحا أكررها هنا في ظل هذه التطورات ننظر بشكل سلبي للمذكرة التي ستأتي
لمجلس النواب".
«الرد المصري»
وفي رد مصري سريع، اجتمع مجلس الأمن
القومي، اليوم الخميس، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ حيث جرى استعراض
عدد من القضايا الحيوية المتصلة بالأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة، بما
في ذلك المفاوضات الجارية من أجل التوصل إلى اتفاق بين مصر والسودان
وإثيوبيا حول سد النهضة، حيث تم تأكيد حرص مصر على التوصل إلى اتفاق حول
ملء وتشغيل السد على نحو يراعى مصالح الدول الثلاث بشكل متساوي ويفتح
مجالات التعاون والتنمية.
وتناول المجلس التطورات الراهنة المتصلة
بالأزمة الليبية، والتهديدات الناشئة عن التدخل العسكرى الخارجى فى ليبيا،
حيث تم تحديد مجموعة من الإجراءات على مختلف الأصعدة للتصدى لأى تهديد
للأمن القومى المصري.
«تحذير شديد»
وأدانت جمهورية مصر العربية بأشد
العبارات، اليوم الخميس، خطوة تمرير البرلمان التركي المذكرة المقدمة من
الرئيس التركي بتفويضه لإرسال قوات تركية إلى ليبيا، وذلك تأسيسا على مذكرة
التفاهم الباطلة الموقعة في إسطنبول بتاريخ 27 نوفمبر 2019 بين فايز
السراج والحكومة التركية حول التعاون الأمني والعسكري.
وأكدت الخارجية المصرية ما تُمثله خطوة
البرلمان التركي من انتهاك لمقررات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن حول
ليبيا بشكل صارخ، وبالأخص القرار (1970) لسنة 2011 الذي أنشأ لجنة عقوبات
ليبيا وحظر توريد الأسلحة والتعاون العسكري معها إلا بموافقة لجنة
العقوبات، مُجدداً اعتراض مصر على مذكرتيّ التفاهم الباطلتين الموقعتين
مؤخراً بين الجانب التركي و"السراج"، وعدم الاعتراف بأى إجراءات أو تصرفات
أو آثار قانونية قد تنشأ عنهما، نتيجة مخالفة إجراءات إبرامهما للاتفاق
السياسي الليبي الموقع بالصخيرات في ديسمبر 2015، وبالأخص المادة الثامنة
التي لم تخول "السراج" صلاحية توقيع الاتفاقيات بشكل منفرد، وخولت في ذلك
المجلس الرئاسي مجتمعاً، واشترطت مصادقة مجلس النواب على الاتفاقيات التي
يبرمها المجلس الرئاسي.
وحذرت جمهورية مصر العربية من مغبة أي
تدخل عسكري تركي في ليبيا وتداعياته، وتؤكد أن مثل هذا التدخل سيؤثر سلباً
على استقرار منطقة البحر المتوسط، وأن تركيا ستتحمّل مسئولية ذلك كاملة.
وأكدت مصر في هذا الصدد على وحدة الموقف
العربي الرافض لأي تدخل خارجي في ليبيا، والذي اعتمده مجلس جامعة الدول
العربية في اجتماعه يوم 31 ديسمبر 2019، وتذكر بالدور الخطير الذي تلعبه
تركيا بدعمها للتنظيمات الإرهابية وقيامها بنقل عناصر متطرفة من سوريا إلى
ليبيا، ما يُبرز الحاجة المُلحة لدعم استعادة منطق الدولة الوطنية
ومؤسساتها في ليبيا مقابل منطق الميليشيات والجماعات المُسلحة الذي تدعمه
تركيا ويعوق عودة الاستقرار في هذا البلد العربي، فضلاً عن أي احتمال
للتدخل العسكري التركي في ليبيا باعتبار أن هذا التطور إنما يهدد الأمن
القومي العربي بصفة عامة، والأمن القومي المصري بصفة خاصة، مما يستوجب
اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية المصالح العربية من جراء مثل هذه
التهديدات.
ودعت مصر المجتمع الدولي للاضطلاع
بمسئولياته بشكل عاجل في التصدي لهذا التطور، المنذر بالتصعيد الإقليمي،
وآثاره الوخيمة على جهود التوصل عبر عملية برلين لتسوية شاملة وقابلة
للتنفيذ تقوم على معالجة كافة جوانب الأزمة الليبية من خلال المسار الأممي.
0 Comments: